الأحد، 29 يناير 2012

سلوكيات


يكشف عن الأمراض النفسية بعد الثورة ويحلل ظاهرة التخوين

فيديو.د.عبد الله:"علياء"صفعة لمجتمع استفز الشباب

    فيديو.د.عبد الله:"علياء"صفعة لمجتمع استفز الشباب

    يصف ما يحدث في الشارع الآن بصراع بين عالمين، أحدهما مازال يؤمن بالتفكير التقليدي عن الاستقرار في مقابل منظومات شبابية جديدة تتشكل فتصطدم مع القديم، وكأننا نضع روحا جديدة في أجسام ميتة فتصاب بالتشنج وتتخبط حتى تخرج.. مؤكدا أن موقف علياء المهدي ما هو إلا نوع من الصفع والتحدي لمجتمع يعاني صعوبة كبيرة في التعبير إما خوفاً وإما قهراً وإما حياءً ..
    عن استثمار الطاقة الشبابية التي جعلتنا شعبا مبهرا في نظر العالم أجمع، وعن قلق الجماهير من التعامل مع الإسلاميين وإقناعهم بفكر التجربة والتعلم منها حسب نتائجها، وعن القلق والتوتر اللذين أصابا الكثيرين بعد الثورة وغيرها من الظواهر النفسية التي طرأت على المجتمع .. كان هذا الحوار مع د.أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق...
    بداية.. كيف خرج ثائرون تربوا على أيدي جيل سلبي؟
    الثورة ليست بجديدة على المصريين، فهم يحاولون التغيير من خلالها منذ الأربعينات أو الخمسينات، وتم اعتقال الكثيرين في السبعينات، ولكن المستجد في هذا الجيل هو ثورة الاتصالات المتمثلة في الفضائيات والإنترنت والمحمول، وهذا يعني أن الأسرة لم تعد الفاعل الأساسي في التربية، ولم تعد وحدها مصدر القيم والمعلومات، وبالتالي ثورة الاتصالات همشت الدولة والأسرة فأصبح لدينا مجتمع ضعيف التأثير على الفرد، وأسرة ضعيفة التأثير على الابن، ودولة غاشمة فاشلة تمسك بعصا الأمن وتقهر من يتحدث عن السياسة.
    وهكذا نستطيع القول إن الإنترنت والفضائيات والمحمول حققوا للطفل من عمر 7 سنوات مساحة خاصة به تلقى فيها مفاهيم وأخلاقيات مختلفة بمعزل عن أسرته .
    ولكن ما الذي حرك الساكن وجعل الناس تنضم للشباب لتنطلق الثورة كثورة شعب بأكمله؟
    أعتقد أن الناس وجدوا في اعتراض الشباب، قاطرة للحركة فوثقوا فيها وأحبوها فأرادوا أن يتضامنوا معها ويحموها لأن هؤلاء الشباب هم أولادهم وأحفادهم، فهم جيل جديد بكر لم يلوث بلعب على السلطة ومقاسمتها مع الجيل السابق، فشعر الناس أن الشباب يتحدثون عن طموح الشعب فأراد المصريون أن يصبحوا مثلهم يعيشون مستقبلا مختلفا، هذا بالإضافة إلى تراكم الغضب بين مصر كمجتمع ودولة وبين المصريين .. كل هذا الزخم من الغضب، الذي كان يتجمع من ممارسات دولة فاشلة قامعة على مجتمع يتفكك ولا يستطيع المقاومة أو التفاعل أو النهوض، سار وراء قاطرة الشباب حماية لهم وتفاؤلاً بهم وغضباً معهم فحدثت الثورة التي لم يكن يتوقعها الشباب أنفسهم .
    بداية من أحداث الثورة حتى الآن، بدأت تظهر أعراض نفسية عند الكثيرين مثل القلق، والتوتر والاكتئاب، فما تفسيرك لهذا ؟
    إنه التغيير.. فأي تغيير من حال إلى حال يُصاحبه توتر، فالطفل الصغير عندما يذهب لأول مرة إلى الحضانة يصاب بأعراض قلق نظراً لتغيير جدوله اليومي واختلاف الناس الذين يتعامل معهم إضافة لتغيير طقوسه، وهكذا فإن الإنسان البالغ عندما يغير مكان عمله أو منزله يصاب بالتوتر، فالشخص الطبيعي قلق من التغيير رغم أنه محب له .
    وجدير بالذكر أن الرغبة في التغيير تزيد في سن الشباب عن الكبار الذين يفضلون الاستقرار أكثر، ولكن التغيير دائماً مصحوب بنزعة من القلق والتوتر، فهذا طبيعي لدى كل الناس في كل العالم، لكنني أتصور أيضاً أن التغيير في ثورتنا أصاب العديد بمعدلات توتر أعلى من الطبيعي وذلك لأننا تربينا على طريقة اعتمادية في الحركة وفي السلوك في الحياة.
    إذاً هذه الحالة من التوتر عرض أم مرض؟
    إنها حالة طبيعية ناتجة عن التغيير إضافة لتوتر متعلق بالتكوين النفسي الضعيف للشعب الذي اعتاد أن يكون اتكالياً في إطار نظام متسلط، فأصبح ذى شخصية ضعيفة ليس لديها مرونة في التعامل مع التغيرات، فنتج عن هذا الوضع الهلع الشديد الذي أصاب الشعب لأن الأمور تتغير من حوله على غير ما عهد، فطالما كان بعيداً عن اختيار رئيسه ومجلس الشعب وجميع القرارات المهمة التي كان يقوم بها النظام السابق نيابة عنه.
    وهل هناك أعراض أو ظواهر نفسية أخرى طرأت على المجتمع المصري بعد الثورة ؟
    لقد طرأت متغيرات كثيرة منها أن الإنسان المصري أصبح أكثر قدرة على التعبير عن مشاعره ومشاكله ومواقفه، فالمصريون كان لديهم صعوبة كبيرة جداً في التعبير إما خوفاً وإما قهراً وإما حياءً، خاصة أن ثقافتنا تنتقد التعبير عن المشاعر والرغبات ويقال في اللغة الدارجة عمن يفعل ذلك "عينه باكسة".
    أيضاً نستطيع القول إن المصري الآن يعبر عن نفسه بطريقة مباشرة، بعد أن كان يمارس عدواناً سلبياً على نفسه، فمثلاً كنا نجد موظفاً يلقى عنفاً على يد رئيسه في العمل فيعود إلى منزله ويضرب زوجته، ويرحّل بذلك العدوان عن نفسه ويعبر عنه بطريقة غير مباشرة، ولكنه الآن أصبح أكثر جرأة ومباشرة، والدليل على ذلك مشاركة المرأة بقوة في التعبير عن رأيها ومطالبها السياسية في محاولة لإصلاح مجتمعها، وبغض النظر عن المؤيد أو المنتقد لها، فإنها تعبر عن رأيها بجرأة وقوة غير معهودة وبكلمات ومواقف واضحة قوية أحياناً وحادة أحيانا أخرى .
    وهل هذا التعبير الواضح عن النفس يرتبط بظهور علياء المهدي عارية؟ وهل الأمر له علاقة بالثورة كما فعلت إحدى التونسيات ؟
    أرى موقف علياء المهدي تعبيرا واضحا عن النفس ولكن بطريقة زائدة، ويمكن أن نفسر تعبيرها المباشر بأنها تعاني مشكلة وموقفا معينا من المجتمع ومن أبيها ومن الظروف التي تعيشها بصفة خاصة، ومن الظروف التي نعيشها جميعاً، فتقدمت بنوع من الصفع والتحدي للمجتمع، أما التونسية العارية فكانت ممثلة وظهرت على غلاف إحدى المجلات بالاتفاق مع زوجها وهنا الوضع مختلف وليس له علاقة بثورات الربيع العربي.
    بما أن وضع علياء يعتبر تحديا للمجتمع.. فهل هذا معناه احتمال ظهور نماذج جديدة من علياء المهدي ؟
    ولم لا؟! طالما أن الدولة والمجتمع والأفراد فشلوا في استثمار الطاقة الشبابية التي جعلتنا شعبا مبهرا في نظر العالم أجمع، فهناك روح جديدة ظهرت وطاقة جديدة انبعثت، وأنا متصور أن مشكلة من المشكلات الجديدة الحالية أنه لا توجد مسارات كافية لاستثمار هذه الطاقة، ولا توجد أشكال مختلفة تسمح بالتجلي لهذه الروح واستثمارها.. وبالتالي تخرج الطاقة بشكل سلبي غير منظم وأحياناً عفوي وأحياناً عشوائي أو بشكل مفاجئ وربما صادم، لذا علينا توقع استقبال الصدمات من الطاقات المهدرة والتي يتم كبتها والتصادم معها وتحديها فضلا عن استفزازها بغباء نادر.
    وأؤكد أنه بقدر ما نستطيع استثمار هذه الطاقة بقدر ما نستطيع التعامل معها وتوظيفها توظيفا بناء، وبقدر ما ستقل تلك الظواهر الصادمة.
    تخوف كبير انتاب أفراد المجتمع خاصة النساء من صعود الإسلاميين سياسياً بعد الخطاب الديني المتشدد الذي تحدثوا به، فهل المشكلة تكمن في نفسية المجتمع أم ناتجة عن لغة الخطاب؟
    كمصريين لدينا أزمة في الحديث عن المظاهر المركبة، والمشكلة أن الحياة كلها أمور مركبة ودائماً ما تكون إدراكاتنا للحلول تبسيطية وهذا يكون سببا من أسباب الفشل في التحليل والحل، فالإسلاميون من ناحيتهم يطلق عليهم مثل "كانوا في جرة وطلعوا لبرة"، حيث تعرضوا لضغوط هائلة ووقعت عليهم مظالم كبيرة خاصة من كانوا يعملون في السياسة مثل الإخوان والجماعة الاسلامية، فعانوا منذ عقود من تصرفات وتعنتات طويلة المدى من انتهاك لأعراضهم وحرياتهم الأساسية، بالإضافة إلى انتهاك شعورهم بالأمان وبالتالي تبرمجوا برمجة مرضية من خلال التعامل الوحشي معهم، فعاشوا في هذه الظروف من الملاحقة التي لا تجعلهم في أحسن حالاتهم النفسية، وبالتالي تكونت نفسياتهم وعقلياتهم بشكل جعلهم قادرين على الصمود والتحدي والتعاون فيما بينهم، وحماية بعضهم بعضا في مواجهة هذا الضغط والتعسف، وعليهم أن يدركوا واقع انتقالهم إلى عالم وحياة جديدة هم غير متدربين عليها ولن يجدي معها الانغلاق الذي كانوا فيه وأن عليهم إيجاد أساليب جديدة في التعامل مع الآخر .
    أما فيما يخص قلق النساء خاصة الناس بصفة عامة، فجزء منه أن الشعب لم يجرب التعامل مع الإسلاميين، وأنه غير مقتنع بفكر التجربة والتعلم منها حسب نتائجها وإنما يبحث عن الصواب والخطأ.
    وعلى الطرفين أن يعوا أننا لن ننتقل إلى مصر الجديدة الحرة الديمقراطية بدون قبول وسماح وتوافق من كلا الطرفين، فلقد اتسع الإطار السياسي لاستيعاب تلك الجماعات، ونحن كمجتمع في حاجة إلى اتساع الإطار الاجتماعي والذهني والعقلي والثقافي لفكرة التعددية والحرية وتداول السلطة، وبدون هذا التعدد - الذي سينقلنا إلى وضع مبهر – سيتحول الأمر إلى تضارب لأن كل طرف في النهاية يقدم نفسه على أنه الصواب.
    في رأيك لماذا تفشت نظرية المؤامرة والتخوين في المجتمع خلال الفترة الأخيرة ؟
    أحد أسباب التخوين أننا لدينا نقص فادح في المعلومات الحالية عن الأحداث وعن تاريخ الحركات المتواجدة على الساحة.
    والسبب الآخر، عدم استيعابنا لفكرة التعددية التي تعني الاختلاف بعيداً عن الخطأ والصواب.. فالخطأ قد يتعدد والصواب قد يتعدد، فكل ظاهرة إنسانية من الممكن أن يكون لها مميزات وعيوب، ولا توجد أي طريقة حزبية أو سياسية أو حتى اجتماعية صحيحة بل كل طريقة لها مميزات وعيوب، وبناء عليه عند الاختيار علينا بالطريقة الأنسب لظروفنا الحالية وقد يختلف ما يناسبنا حالياً عن المستقبل وعن الماضي .
    بناءً على ذلك هل تعتقد أن تتحول الثورة إلى حرب أهلية مثل ليبيا ؟
    من حيث المبدأ كل شيء ممكن ولا يوجد مانع لذلك إلا إذا بذلنا جهودا تجنبنا المصائب السلبية، فالثورة خلقت في الشعب طاقة وروحًا متميزة إذا لم نعمل عليها بإيجابية من الممكن أن تؤدي بنا إلى مشكلة، وبالتالي فإن التغيير والثورة خير من الممكن أن يؤدي إلى شر إن لم نحسن التعامل معها، ومن الممكن أن نصل إلى حال ليبيا أو لبنان أو الصومال وقد نصل إلى نموذج إيجابي أفضل من تونس، هذا يتوقف على أسلوب عملنا جميعاً كمنظومة اجتماعية وسياسية ونفسية.
    في ظل أحداث العنف المتجددة من ماسبيرو لمحمد محمود إلى مجلس الوزراء، كيف ترى الأسلوب الأمثل الذي من المفترض أن تعمل به المنظومات الاجتماعية والسياسية والنفسية لوقف العنف ؟
    أرى أننا مازلنا رهائن النظام القديم سواء كان سياسياً أو اجتماعياً، فمن يحكمون يتبعون نفس الطريقة القديمة وغير مقتنعين بأنه يتوجب عليهم البداية من أول سطر جديد، أما اجتماعياً فنحن نسير على نهجهم مستخدمين الأساليب القدمية غير منتبهين إلى أنها لن تصنع واقعاً جديداً ولن تقدم أي مستقبل جديد، وما يحدث في الشارع هو صراع بين عالمين أحدهما مازال يستخدم الأساليب القديمة ويتعامل بها مع المتغيرات في السياسة والانتخابات والإعلام وفي التفكير التقليدي عن الاستقرار، في مقابل منظومات جديدة تتشكل فتصطدم مع القديم غير القادر على استثمار زخم الطاقة في البناء، وكأننا نضع روحا جديدة في أجسام ميتة فتصاب بالتشنج وتتخبط حتى تخرج وهذا هو سر الصدام .
    والحل الأمثل أن يؤمن كل مصري أنه الآن مسئول عن الوطن وعليه أن يسعى ويبني ويتعامل بأسلوب جديد ومختلف، فالمطلوب أن يملأ كل إنسان وعيه ووقته وعلاقاته بما يفيد نفسه ويفيد الآخرين لتكوين علاقات مختلفة، وبمقدار هذا التحول والتغيير بمقدار ما سنسعى إلى حياة جديدة.. وبمقدار الوخم والاستسلام بمقدار ما سنبقى على ما نحن عليه من صدامات واحتكاك بالعالم القديم غير الواعي للمنطق الجديد، الذي لا نستطيع أن نساعده أو نساعد أنفسنا في حياة جديدة لو لم نبدع صيغًا مختلفة للتعاملات .
    فور نشر فيديو الفتاة المسحولة انتقد الكثيرون تواجدها في ميدان التحرير فيما رأى آخرون أنها مخطئة بسبب ملابسها، بينما دافع البعض عن حقها في الأمان كمواطن، فما تفسيرك لتلك الاختلافات ؟ هل مازال مجتمعنا يترك القضية الأساسية متمسكاً بالقشور ؟
    أرى أن أي حوار وإن اختلفت وجهات النظر حوله هو حوار صحي، ولكن المشكلة الكبيرة التي نعاني منها أن أي حوار لا يكتمل خاصة مع احتكار النخب السياسية والفضائيات له.
    تفشل أيضاً الحوارات الشعبية لافتقادها إلى معلومات كافية حول القضية، ففي حالة فيديو الفتاة المسحولة نسمع ( كله بيقولك – أصل أنا سمعت – قرأت على الفيس بوك) في ظل انعدام توثيق المعلومات، وهذا أيضا يمت إلى الأسلوب القديم الفاشل، لذا على كل إنسان يريد النقاش والدخول في حوار أن يبحث عن المعلومات أولاً وإن لم يجد عليه بالسكوت، فنقص المعلومات مسألة فاضحة ولا يصح أن ندخل في نقاش عن شيء لا تتوافر لدينا عنه معلومات كافية، وهذه هي مأساتنا لذا ينتج نقاش غير مجدٍ ولا مثمر .
    فالحوارت العامة التي تحدث بين الناس في وسائل الموصلات أو حتى على الـ"فيس بوك" مطلوبة شريطة أن تستند إلى معلومات ودراية ومعرفة.


    اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - فيديو.د.عبد الله:"علياء"صفعة لمجتمع استفز الشباب 

    ليست هناك تعليقات: